الاثنين، 19 نوفمبر 2018

سير وسلوك

لامعة وصلبة.. لامعة وصلبة..، امتلأ الكيس بالليمون، بينما امرأتان عربيّتان تثرثران وتتخيّران حبّات البرتقال برويّة وحرص، بالكاد ملأتا ربع الكيس، هل تغتاباني في سرّهما الآن: (السعوديّات ستّات بيوت فاشلات، ولا يحسنّ إدارة المصروف)؟

مرّ من جواري صبيّ مقيم وأمّه، الصبيّ بطول أمّه، بُنية الأمّ كبنية الصبيّ، يقول وجه الصبيّ بأنّه لم يتناول إفطاره، يتبعهما الأب بملابس مكرمشة بشكل مريع. واضح أنّه نام بها وصحا للتو، قالت المرأة: (لا شيء اليوم)، لم أفهم معنى لا شيء بينما الرفوف ممتلئة بكلّ شيء. لا يبدون كعائلة تتسوّق، بل كثلاثة عصافير تفتّش عن رزقها.

أتريّث في المشي ليبدو سيري سليما، تعثّرتُ بالأمس والتوى كاحلي، أحرجني الجزّار حين رفض أخْذ ثمنٍ للعظام، قلت له: لديّ المال، هل تعطونها للجميع بلا مقابل؟ قال: نقدّمها مجّانا، هل تريدين المزيد؟

أحتاج إلى العظام لتحضير الحساء، هل يظنّ أنّني لا أستطيع شراء اللحم؟ هل تبدو المرأة متسوّلة حين تضطرّ للتسوّق كالرجال؟

ثلاثة رجال كانوا بالداخل، ورجلان بالخارج، لم أنتبه للدرج، انزلقتْ قدمي ووقع الكيس من يدي. ارتطامه بالأرض كوقع الكعب العالي، اصطكت العظام مثل علب فارغة، كان صوتها مريعا.

Nooooo no more sorrow يدي تتخبّط داخل الحقيبة، ونغمة الجوّال تعلو، أخرجتُه أخيرا، يومض على الشاشة (بابا).

-       صباح الخير.. اتّصلتُ بالبيت ولم أجدك.. كيف حال الأولاد؟ هل ذهبوا إلى المدرسة؟ تعرفين؟ اكتشفتُ اليوم سرّا، وأردتُ مشاركتك إيّاه، تعرفين لا أحد يفهمني غيرك، رغم ما حدث، تعلمين أنّنا رهن لأقدارنا وأنّ المكتوب لا بدّ سيقع، وأعلم كما تعلمين في قرارة نفسك بأنّي لا أناسبك ولا أستحقّك، أنا أستحقّ ما تفعله بي زوجتي، لا بدّ للسالك من معاناة تصهره ليتحوّل جوهريّا، المعاناة تخلية للقلب ليتجلّى فيه جمال المطلق، السرّ؟ ههه كدتُ أنسى! هذا السرّ إكسير حقيقيّ، الفكرة هي أن تعيش اللحظة، تنسى كلّ شيء وكأنّ لا مسؤوليات في حياتك وكأنّك غير مطالب بغير ما أنت فيه لحظة بلحظة، لا أدري هل الفكرة واضحة؟ ربّما لم أوصلها بشكل جيّد، عندما انتهي من الكتاب سأحضره إليك، احفظيه مع الكتب الأخرى، هذا هو إرثي الذي سأتركه لأولادي، الدراويش مثلي لا يتركون وراءهم أموالا. تعرفين؟ عندما أكون معك أنحدر روحيّا، الأشخاص السلبيّون مثلك -وسامحيني لصراحتي- يحفّزون الآخرين على اضطهادهم، وأنا لا أحتمل أن أكون الطرف السيّء في العلاقة، إن كان لا بدّ في كلّ علاقة من ظالم ومظلوم فلأقابل ربّي مظلوما ولا أقابله ظالما، لا تدرين ربّما إيذائي لك هو ما أوصلك لمقامك هذا. بعين الله كلّ ما أقاسيه يوميّا من إيذاء زوجتي، وأسأله تعالى أن يكون صبري عليها خير زاد لي في سيري وسلوكي إلى الله.

أقف أمام الكاشير، أنا المرأة الوحيدة بالصفّ. أسلّمه بطاقة البنك (تبّا لا تنظر هنا!). سير وسلوك إذن؟ كيف وجريمتك ماثلة كجثّة مصلوبة في ساحة عامّة؟

يخرجون واحدا تلو الآخر، كلّ يحمل أشياءه وينطلق بسيّارته، وطليقتك تقف بانتظار سيّارة أجرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق