الخميس، 29 أكتوبر 2020
أربّي الكلمات
الأربعاء، 21 أكتوبر 2020
حيث فقدتْ روحَها
نحن أجرام فلكيّة، تتحرّك حاملة مداراتها وأقمارها، أحيانا تشتبك مداراتنا فتقع بيننا حوادث التصادم، وأحيانا تتقاطع بانتظام فتعبر أقمارنا بأمان. كلّ إنسان كون معزول بمفرده. هذا ما جال بخاطري وأنا أتأمّل المعزّيات في مجلس فاتحة والد (دلال)، التي تبدو كغبار كونيّ (سديم) كما تسمّي نفسها في المنتدى الأدبيّ على الشبكة.
كانت أوّل مرّة أراها، لكنّي رسمتُ لها صورة في مخيّلتي من وحي قصائدها: الحسناء المزهوّة محطّمة القلوب! وكانت جميلة بالفعل، لكن ليس كما تخيّلتُ، جميلة لكن كزهرة صحروايّة لا تدري أنها ليست مجرّد عشبة. وعلى تقاسيم وجهها غلالة مرخاة، ليست من حزن بل من حياد. وإذا تلفّتتْ أو أطرقتْ أو قامت تبدو كمن أضاع شيئا.
في أحاديثنا الهاتفيّة كانت تضيع كثيرا في دروب الكلام، وتكرّر: أين وصلنا؟ ماذا كنتُ أقول؟
في النهار كنّا نتحّدث هاتفيّا، وفي الليل على المسنجر، بلا مبالاة باعتراض زوجها وانتقادات أمّه.
في إحدى مكالماتنا قالت: سأعترف لكِ بشيء. أخافتني نبرة الخواء في صوتها، وبعد وجوم قالت: أنا قتلتُ قطّتي! وسكتتْ وسكتُّ، ثمّ استدركتْ: لم أفعل ذلك عمدا... كان ذلك منذ زمن طويل.
لم أسألها عن التفاصيل أو أحثّها على قول المزيد.
هل تكذب دلال؟ هل تعاني من نسيان مرَضيّ؟ في محادثة على المسنجر كتبتْ لي: أحبّ البلابل كثيرا، لكنّي لم أربّ أيّ بلبل منذ مات بلبلي، قتلتُه خطأ.. أخبرتُك بذلك من قبل، صحيح؟
لم أعلّق، وأدرتُ الحديث إلى جهة أخرى.
في غرفة الانتظار بالمستشفى دخلتْ أمّ زوجها، سلّمتْ وجلستْ على المقعد بجواري، لم تعرفني ولم أعرّفها بنفسي. بدأتْ تتحدّث عن آلام المفاصل، المسكّنات، العمليّة الجراحيّة التي تتردّد في الإقدام عليها. تضجّرتْ من طول الانتظار، وكانت قلقة على قِدْر الهريس الذي تركتْه على النار. قالت: سيحترق الغداء وزوجة ابني نائمة! تصحو ظهرا وتبقى في السرير تقرأ! وفي الليل تسهر لتثرثر مع صديقتها، وتترك ابني لينام وحده.
ضحكتُ في سرّي على طرافة التناقض بين شخصيّتي كصديقة شرّيرة في قصّة الخالة، وبين صورتي في عينيها الآن كبنت طيّبة، أحبّتْها وكافأتَها للتوّ بعلكة دسّتها في يدها وأغلقتْ عليها قبضتها مثل ورقة نقديّة من فئة كبيرة. وقالت: تبدين مختلفة عن بنات هذه الأيّام. هل تستيقظين مبكّرة وتطبخين الغداء لزوجك؟ أجبتُها: أطبخ ليلا بعد أن ينام الصغير.
زفرتْ وقالت: زوجة ابني لم تحبل حتّى الآن، لله الحكمة.. من يدري، لعلّها لو كان لها طفل لنسيتْ أن ترضعه! أو ضيّعتْه كما تضيّع مفاتيحها ومحفظتها، أو ربّما تقتله خطأ كما فعلتْ بأختها الصغيرة.
في المقهى
الأحد، 9 أغسطس 2020
كالشيء وظّله
مثلُ الشيءِ وظلّه؛ اللامبالاة التي يلاحظها الجميعُ يلازمها ظلُّ اهتمامٍ لا يلاحظه أحدٌ.
مثلُ الزاويةِ وظلّها؛ كلّما اتّسعَ النفورُ يتّسعُ معه بالمقدار نفسِه ظلُّ الهوَس.
مثلُ الشاخصِ وظلّه؛ يتمادى الولعُ حتّى يقزّمُ موضوعَه، كما يهزأ طولُ ظلّك بقامتك ساعةَ الأصيل.
لا يخدعْكِ هدوؤه، فبوصلته تضيّع اتّجاهاتِها كلّما دنوتِ منه. عندما جلستِ بجانبه في المجلسِ المكتضِّ بالزائرين لم يلبثْ دقيقةً حتّى قامَ وانصرفَ دون أن يعيركِ التفاتةً. لكن قيامُه لم يكن اختياريّا، كان كفَوران زجاجةِ مشروبٍ غازيّ، فاقترابكِ أصاب كلَّ مؤشّراتِه بالاضطراب.
إن ما يجري له يفوق حدود تأثيركِ، فلستِ ربَّة الرعودِ والبروقِ والمتحكّمة بالأعاصيرِ والزلازلِ، وإلا لحملتِ طقسكِ معكِ أينما ذهبتِ. فهل سوء طالعكِ هو الذي قادكِ للدخولِ في نطاقِ زلزاله؟
المسرفُ في العزوفِ عن كلِّ شيءٍ يكدّسُ في الناحيةِ الأخرى جوعا مسرفا لشيء؛ مثلُ الشجرةِ وظلِّها؛فاحذري أن يريدكِ من يزهدُ في الأشياءِ بقوّةٍ، لأنه سيريدكِ بقوّةٍ، إلى الحدِّ الذي يجعلكِ تشعرين أنهُ يكرهكِ بقوّةٍ؛ مثلُ اتّجاهِ الظلِّ في المِزْوَلةِ، محالٌ أن يمتدّ بموازاةِ الوتدِ.
هل تعصفُ بكِ الأسئلةُ؟ هل تعجزين عن تفسيرِ قدرتِه على مقاومةِ الانهيارِ نحو قاعكِ؟ هل يحيّركِ كيف يمكن لإنسانٍ يريدُ بكلّ هذا الشغفِ أن يزهدَ بكلّ هذا التطرّفِ دون أن ينشطرَ كقنبلةٍ نوويّةٍ؟
أنتِ لا تدرين أنه لا يراكِ، وأن نظرَهٌ مصوّبٌ دائما نحو ظلّك. هو أقوى من أن يستسلمَ، وأشجعُ من أن ييأسَ، لكنه أذكى من أن يفكّرَ في القبضِ على ظلّكِ، فالظلالُ لم تخلَق لتؤسرَ.
الأحد، 19 يوليو 2020
وجهه ... (قصّة)
في منامي البارحة رأيتُك بهيئة المسافر على الدوام. بحقيبة ظهرك وقبّعتك وسترتك. رأيتك خارجا بعد أن ودّعتَ الصغير. عرفتُ في حلمي أنك جئت لتفرش البيت لأجله. لكنك لم تفرشه بالسجّاد العجميّ العتيق الذي تؤثره، كان (موكيت) بلون عسليّ، ووحدة زخرفيّة إسلاميّة بسيطة. كان الصغير في حلمي يطأ عليه برجليه الحافيتين فتغوصان في الفراء الوثير، يمشي وئيدا ويدعك قدميه بالموكيت ثمّ يقوّسهما ويفرك أصابعه ببعضها ملتذّا بنعومته.