الأربعاء، 8 يوليو 2015

التمرّن على الموت (4) زجاج معشّق



جسدي مليء بالشامات، أتفقّدها كلّما تمدّدتُ في حوض الاستحمام. هذه الشامة الكبيرة الباهتة على ركبتي تشبه وجه والدي، ملامحه تبهت في كلّ مرّة أتعثّر ويكشط جلدي. هذه شامة أمّي، فوق المعدة تماما، لكان مناسبا أكثر لو انزاحت نحو القلب، أنا مواظبة على تدليكها لعلّها تنزاح مع الوقت.

في بعض الأوقات أحصي شاماتي فأجدها ناقصة، فأتذكّر شامات ظهري. وهنا واحدة ناشبة في خاصرتي مثل قرحة وتنزف باستمرار.

في السابق كنتُ أكره الشامات، وأخجل منها، لكنّي مع الوقت صادقتها، بدأتُ ألاحظ أنّ عددها يزيد وأنّ لكلّ واحدة منها قصّة.

هذا الشامة فوق ترقوتي ظهرت بعد طلاقي، كنتُ أخفيها بالأوشحة والقلائد، إلى أن قرّرتُ يوما التوقّف عن إخفاء شاماتي وتجاهلها. تحسّستها، أطلت النظر إليها، وألفتها.

قبل ظهورها كان جسدي بيضة من الرخام، أطرق على جدرانه فلا أسمع رنينا، وأتسائل هل يوجد شيء في الداخل؟ 

ذات يوم رأيت سيّارة مسرعة تدهس بيضة رخام، هرول الناس يجمعون قطع الرخام المهشّم، وكنت أنظر إلى كائن جميل يعالج الخروج من حطام الرخام كما يخرج الفرخ من بيضته، أحببت هذا الكائن جدّا، وصرت أفتّش عنه وأترقّبه عند الحوادث.

رأيته ينسلّ من ثقب رصاصة في القلب، من شرخ في الرأس، ومرّة أخرج رأسه من رجل مقطوعة، ومرّة خرج من بطن مفتوحة نافضا عنه الأحشاء والدماء.

كان مع جماله يخرج مرتاعا، ويبقى مرتعشا إلى أن يجفّ جناحاه ثمّ يحلّق.

الكائن الذي يسكن جسد جدّتي مختلف، كان مكتمل الجمال برّاق العينين، وكان أكبر حجما من جسد جدّتي الهزيل الممدّد على سرير المستشفى، لا أدري من أين خرج، لم يكن رخام جدّتي مكسورا، فجأة نهض عن جدّتي كما ينضح الندى من أوراق الشجر.

 كنت أحدّق في شامة قبيحة في ذراعي، تشبه وجه جارتي، عندما لاحظت أنّها شفّافة مثل الزجاج الملوّن في شبابيك المساجد. لحظتها اكتشفت أنّ جسدي لوحة من الزجاج المعشّق، وأن ضوءا ملوّنا بهيجا يشعّ من داخلي.

من تلك الشبابيك صرت أسترق النظر إلى الفرخ الجميل الذي يسكن داخلي. أحببته كما تحبّ الأمّ جنينها، أخاف عليه وأحميه، ورغم شدّة حماسي لخروجه لم أفكّر يوما أن أقف على مرمى رصاصة أو سيّارة مسرعة، لأنّي لا أريده أن يخرج مروّعا مرتجفا بعينين خديجتين، أريده معافى مثل فرخ جدّتي.

يقول لي: أمّي الجميلة.. جسدك رقيق مثل أجساد العجائز، يمكن للهواء أن يمرّ من خلاله كما يخترق الستائر. 

أقول له: أنظر إلى هذه الشامات الكثيرة ألا تصلح واحدة منها لتخرج دون أذى؟

يقول: هذه العتبة تعرقلني، ويشير إلى كتفيّ الخاليين من الشامات.