الاثنين، 19 نوفمبر 2018

متاهة

كنتَ صارماً معي حين ألقيتَ بي في هذا العالم المتناقض، وأنتَ تعلم بأنّي أضعف من احتمال كلّ هذا التناقض. هل يُفترض بي أن أتسلّى وأنا ألهث في دروب المتاهة، السدود تتقاذفني وكلّ مجهول يسلمني إلى مجهول؟

ليتني أعرف كيف تشعر وأنت تتصفّح ذهولي أمام مفاجآتك، حين يتفتّح برعم أصيصي الذي أسقيه يوميّا عن شوك وعلقم؛ وبستان جاري الذي يسقيه المطر يغصّ بيانعات الثمر؟

عجزتُ واستسلمتُ، آمنتُ بعبقريتك فأخبرني أنت الجواب:

لماذا المتسوّل الذي آويتُه وآثرته بعشائي، يسرق محفظتي ويتسلّل ليلا تاركا على منضدتي رسالة تشتمني؟ ولماذا ذات المتسوّل يقدّم مالي واحترامه لزوج أمّه الذي يركله ليصحو ويصفعه لينام؟

أخبرني ما سرّ الإنسان؟ ومن أي عنصر عفن هو مجبول؟

ارحم حيرتي وعلّمني: لماذا من قالوا نفسي نفسي نجو من الطوفان؛ ومن أذهله عن إنقاذ نفسه إنقاذ الغرقى ابتلعته الأمواج؟

ولماذا المجد للناجين؛ اللذين عادوا يلقون فتات أطواق النجاة؛ والبؤساء يسبّحون بحمدهم ويسجدون؟

لماذا منحتني لحافا قصيرا؛ إن غطّيتُ قدمي طفلي قصف البرد صدره؛ وإن دفّأتُ صدره تثلّجتْ قدماه؟

ليتكَ حين منحتني طفلا ولحافا قصيرا؛ كنتَ أخبرتني أين يجدر بي أن أغطّي وأين أترك؟ لماذا تتركني للحيرة؟

وحين كتبتَ عليّ التعاسة؛ لماذا خلقتني جميلة وذكيّة وطيبة؟ لماذا حرمتني من جواب أعلّق عليه فشلي وتعاستي؟  

الأزواج الطيّبون كثيرون، الآباء المهتمّون كثيرون، الأقارب الرحماء، الجيران اللطفاء... لماذا أحطتني بهؤلاء؟

برعم يكتنز الجمال والحكمة كنتُ، أراد أن يتفتّح للحياة فلطمه الصقيع.

أحببتكَ يا سيّدي وأحببتُ دينكَ، كنتُ مطيعة لك، راضية، مؤمنة.. لكنّني الآن أشعر بالخذلان. انقطع بي الطريق، نفد منّي الماء والوقود، لا أنتمي للأرض، ولا أهتدي للسماء.

لو كان التديّن وظيفة؛ أليس من تعويضات، ضمانات، راتب تقاعد؟! لماذا تتركني للشكّ؟

يخطر لي الآن أن أتملّقك، وأسرد قائمة طويلة بنعمك وأفضالك عليّ، أنا لا أنكر فضلك، يكفيني أنني أعاني وأشكّ ولم أكن حجرا لا يعي.

يكفيني وميض الأمل في قلبي أنّك موجود وأن الخير والعدل صفاتك..

فقط أخبرني؛ خذني لمصنع أسراركَ/ طاولة صنع القرارات في سمائكَ/ لوحكَ المحفوظ، وأرني أيّ القوانين تحكم هذا العالم؟

أرني نهايات الأشياء وغاياتها، صبري قليل، وعمري قصير، ونفَسي يضيق عن مجاراة عبقريّتك في صنع الأحاجي..

أخبرني أنتَ الجواب.. عجزتُ عن حلّها يا ربّ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق