الاثنين، 19 نوفمبر 2018

هشاشة

(أنا لا أفهمكِ، أشعر أنّكِ طيّبة جدّا، لكن أحياناً ...) قال لي رئيسي ولم يكمل عبارته.
يتكرّر معي كثيراً أن يعتقد الناس بأنّي طيّبة بشكل مطلق، ولا أدري ما الذي يجعلهم يعتقدون ذلك. عندما يعجز الناس عن فهمك، ومع ذلك يطلقون عليك أحكامهم، لماذا عندئذ يحمّلونك مسؤوليّة صدمهم؟ بعض الأمور يصعب حسمها، ربّما لأنّها نسبيّة، وربّما لأنّها ملتبسة.
ابنة الخمس سنوات التي وضع الطبيب قرص سمّاعته البارد على صدرها ورأى في عينيها ما جعله يغمض نصف إغماضة ليوهمها بأنّه لا ينظر إلى صدرها المسطّح، والذي قال لأمّها لاحقا: لا تدعوا أحدا يؤذي هذه الطفلة!
الطفلة التي كانت تمرض لأنّ أختها الكبرى نظرتْ إليها نظرة مرعبة أخافتها، تمرض لأنّ أخاها الأكبر أختار غرفة نومها على ذوقه، والتي أصيبتْ بالحمّى ودخلتْ في غيبوبة بعد أن جمعتْ حبات من النبق في ذيل فستانها الأحمر، وقضمتها على مرأى من نسوة حزينات وناقمات.
ما زالت بعد هذه السنين هي ذاتها المرأة التي تمرض لأنّ ولدا ضخما أبرح طفلها الهزيل المسكين ضربا، تمرض لأنّ الجيران مزقوا ملاحظة وألقوا بها عند بابها والحقيقة أنّ جارا آخر هو من ألصق تلك الملاحظة ببابهم، هي من تسعل باستمرار بحجّة أنّ الحياة غير عادلة.
امرأة بهذه الهشاشة تدفع رئيسها في العمل ليصرخ بشكل يائس: أنت ديكتاتورة!! تدفع مدرّبها على العزف لإنهاء دورته وترك "مريديه" ليقول لها قبل سفره: أنتِ قلعة!
قلعة.. وديكتاتورة... ومازالت تسعل باستمرار لأنّ خطيبها لم يجد غير صديقتها ليتزوّجها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق