الأربعاء، 21 أكتوبر 2020

في المقهى

 




هل الحقائق مثل الأماكن؛ نزورها فنرى المعالم نفسها التي رآها الآخرون؟ أم مثل المرايا تعكس لكلّ إنسان وجها مختلفا؛ هو وجهه.
لماذا الحبّ يجعل بعضنا سعيدا، وبعضنا يزيده الحبّ حزنا؟
البعض يعود من (مدينة الحبّ) ليصف شلّالات العطر ونوافير الخمر، ويخبرنا أن الناس هناك يحلّقون ولا يمشون على الأرض مثلنا نحن التعساء. فلماذا البعض الآخر إذا أحبّ تتلاشى أمنياته ولا يعود يواسيه شيء. 

المقاهي! يا لها من مكان! فاقدٍ للحميميّة رغم ازدحامه بالبشر، كئيبٍ مع امتلائه بالأزهار والتحف.

- ماذا عليّ أن أفعل لألتقي بإمام زماني؟ (قالت زكيّة بطريقة معيدي يعاتب العبّاس) جرّبتُ كلّ شيء، لكن الله لا يستجيب لي، ولا يحقّق لي هذه الأمنية.

- ماذا لو التقيتِ به ووقعتِ في حبّه، أتعرفين معنى أن تقعي في الحبّ؟ (سألتُها في خيالي). نحن الذين نقع في حبّ الناقصين والسيّئين وحتّى الأشرار، ماذا يمكن أن يفعل بقلوبنا حبّ الإنسان الكامل؟

تخيّلتُ صديقتي واقعة في حبّ معصوم، يا لها ملهاة! أوّل شيء ستفعله محاصرته وتملّكه، كما تفعل معي ومع كلّ من يوقعه حظّه العاثر في دائرة سلطتها، هي لا تتخيّل أيّ عذاب ستعيشه لو خطف قلبَها إنسانٌ تتعبّده قلوبٌ بعدد نجوم السماء. 
الشيء الثاني أنها ستحبّه بطريقة زليخا -صديقتي التي لا تريد أن تنضج- أقول لها في ضميري: لا جدوى من صلاة صائمٍ يفكر بسُفرة الإفطار، أو محصورٍ يدافع الأخبثين، وأنت يا صديقتي تريدين أن تقابلي إمامك ببطن جائع، أن تقفي بحضرته وأنت بعد لم تتطهّري من أوهامك! سامحيني، رغما عني لا أثق برزانتك، رغما عني أتخيّلك ترخين الشال لتظهر خصلات شعرك، لأنك -بسذاجة- تظنّين أنه سيراكِ هكذا أجمل.

معاناتي في الاحتفاظ بتركيزي في الأحاديث الطويلة مثل معاناة تلميذ تسرقه الخيالات في حصّة مملّة، حتّى يباغته المعلّم بسؤال يكشف جريمة شروده. زكيّة الآن تتحدّث عن حياة البذخ غير المعقولة التي تعيشها بنات عمومتها في دولة خليجيّة، كانت تصف بيوتهم، موائدهم، سيّاراتهم، العبايات، الحليّ، الحقائب... طبعا لم تكن تضع فواصل في كلامها، بل تعوّضها بجملة "أستغفر الله" مع إيماءات بالوجه تعبّر عن الأسى والاشمئزاز.

- زكيّة! يا زكيّة!! اخلعي عن عينيك دنس هذه النظرة إذا كنتِ تريدين لقاء الإمام، أنت تخيفيني يا صديقتي، يرعبني هذا الانفصام بين حركة لسانك ونظرة عينيك، اللسان ناسك يحوقل، والعينان طفلة تتشهّى قطعة شوكولاتة، قوليها أرجوك! ارحميني وأريحي نفسك، قولي: أنا أشتهي الثراء، أنا أحسدهم على أموالهم. لم تخبريني يا زكيّة؛ لماذا تريدين لقاء الإمام؟ هل ستطلبين منه الثراء؟ الشباب الدائم؟ 

قلتُ لها: عزيزتي.. تخيّلي أنك التقيتِ بالإمام فعلا (أضاء وجهها بابتسامة ذابلة) تخيّلي أنك رفعتِ إليه آمالك وبحتِ له بأمنياتك، فأجابك الإمام: كلّ ما طلبتِ موجود في الصلاة على محمّد وآل محمّد، صلّي واغرفي من النِعم".

نطقتْ بعد لحظات من التأمل: تعرفين؟ عندما يعطيك الإمام ذكرا خاصّا فكأنه يعطيك مفتاح خزينة. يعني أصلّي أنا كما أمرني الإمام وأحصل على ما طلبتُ. وتصلّين أنت ولا تحصلين على شيء، لأن هذا الذكر يخصّني أنا، وصفه الإمام لي أنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق