الخميس، 22 فبراير 2018

أوثان

الحرارة المنبعثة من أجساد القطط تقلق نومي، وفراؤها يلامس جلدي فيصيبني بالقشعريرة. أفتح عيني بجهد، الحمّى تفلق رأسي. يتناهى إليّ صوت شجار والديّ، يعنّفها على جيش القطط الذي يحتلّ المنزل، لم يكن وجود القطط يزعج والدي قبل أن يعرف هؤلاء.
كنت أصحو فجرا فأراه يقطف أزهار الفلّ لأمّي وشفتاه ترفرف بدعاء العهد. الآن نصحو على الأناشيد الثوريّة وموسيقاها الصاخبة.
تعلّم والدي الاصطفاف، صار الناس عنده إمّا وليّ أو عدوّ، حتّى جارنا القديم أبو عبد الرحمن صار يتجنّب والدي، ربّما رمقه زوّار والدي شزرا بعيونهم الخرزيّة وأخافوه.

أتدثّر بالحمّى وألتفّ على أوجاعي وأغيب، حمرة عينيّ تستر بريق ولعي، أتذرّع بالسعال المتواصل لأبرّر صمتي الطويل.

وجدتُ في مرضي الذي طال فرصة لأتمرّن على إخفائك، لكن لو نجحتُ في إخفائك عن والديّ هل سأنجح في إخفاء آثارك عن القادم؟

تسمّيه أمّي القادم، وأسمّيه الميّت، إذ لو لم يكن ميّتا فلماذا لا يأتي؟

شعري الفاحم الغزير يرقّ ويشحب، هدرا تذهب فتنتي ويذوي روائي، وهذا الميّت الحيّ لا يأتي.

أمّي تقوم على حراستي من أجل الغائب، أنا أملها الوحيد الذي سيملأ بيت القطط هذا بالأطفال. تلقّنني أمّي بأنّ على الفتاة أن تصون قلبها وجسدها، حتّى إذا جاء فارسها قابلته مرفوعة الرأس نقيّة لم تشرك به شيئا. وأنا نكاية بهذا القادم الذي لا يأتي عزمتُ أن أنحر صبري وانتظاري عند قدمي أوّل عابر.

أتراه لو أتى لن يرى أثر أظافرك على قلبي، ألن يستوحش من الفراغ السحيق في حدقتيّ؟ ألن يمسك باسمك من جناحيه وهو فارّ من بين شفتيّ بينما أحلم بك؟
لم لا تكون أنت هو وينتهي شقائي؟ لم لا يكون الميّت هو أنت أيّها الحيّ؟
لكنّك لم تكلّف نفسك مرّة عناء الاعتذار أو تأسف لأنّي لم أكن زوجتك. ويوم يأتي القادم وأودّعك بعيون دامعة أعلم أنّك لن تأسف كثيرا على فراقي.
هل تعني لك هذه المجنونة أكثر من فتاة غرّة تختبر عليها سطوتك وتشبع غرورك؟
كلّ مرّة تودّعني وتتركني صريعة سحرك تنبت القنافذ في عقلي: الآن يدعك تصطلين أوجاعك، وتتكوّرين على احتياجك، وحيدة في غرفتك الباردة، بينما ينام وامرأة غيرك تتوسّد ذراعه. تمرضين فلا يمسك بيدك، يركبك السيارة ويأخذك إلى المستشفى، ترى أيّكما أكثر موتا من الآخر!؟

نظّفنا البيت جيّدا لاستقبال زوّار والدي، أزلنا كلّ أثر لشعر القطط التي يكرهونها، أشعلنا البخور وصففنا أطباق الفاكهة والتمر ودلال الشاي والقهوة.

أستعين على الوقت الثقيل بمراقبة القطط. تلكّأتُ في الخروج برفقة أمّي فغادرتْ من دوني، وصاحبي غائب عنّي.
ثمّة نشاط غير مألوف عند زوّار والدي، كأنّهم يقيمون طقسا ما. المولى عبد القدوس يتكلّم بنبرة قاطعة والبقيّة يؤمّنون على كلامه. جذبني الفضول لاستراق النظر، كان والدي جاثيا بين يدي المولى ينتفض باكيا ويردّد: أشهد أنّك يا مولاي حجّة الله في أرضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق