الخميس، 17 نوفمبر 2016

ارجعي

وإذ يشطرك الألم يا مريم فتطلقينها: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا)؛ ينشقّ جدار رحمكِ/ جدار الكعبة وتتحرّر روح عليّ/ روح المسيح.
إذا بلغتْ المعاناة حدّ الاضطرار فلا بدّ أن يستجيب الله.
كنتِ في أقصى غياهب الألم إذ ناديتِ: لا أشتهي سوى حفرة أستريح فيها. وكان للوجع في صوتك القدرة على شقّ الحجب وانبثاق هذا الكائن/ الخلاص.
(أنت متعبة) أوّل كلمة قالها. في الأيّام التالية راح يعمل بكدّ مسخّرا نفسه من أجل مهمّة واحدة: دفعك للراحة بكلّ الوسائل، بما فيها الإجبار.
يمنعك من حمل الأشياء الثقيلة، من الهموم وحتّى أكياس التسوّق، وإذا عاندتِه اضطر لحملها عنك. تنازعينه أثقالك الشخصية فيهدّد بتخليصك من ذراعيك ورأسك إن لزم الأمر.
كان يملك قدرة الصيف على إقناعك بالتجرّد من ثيابك، بالقليل من الكلام، والعمل الجادّ دأَب على حلّ أوزارك.

كانت البداية تخريبيّة ومؤلمة، كما تُتلف حبّات من الذرة النيّئة، تخلخل الصفوف في الأكواز الذهبية بعدها تتدافع البقيّة كأحجار دومينو أو قلاع تسقط.
محبّتكِ غير العادلة لإخوتك، حنانكِ المفرط، اكتراثكِ الزائد لأمر الناس؛ كلّها نفضتِها عنك كطحالب ميّتة علقتْ بك.

كان باديا للجميع أنّك ما عدتِ تنتمين لأحد، ما عدتِ قابلة للألم. كلّما صافح هذا القادم بقعة منك طفتْ وتحرّرتْ.

لو كنتِ تعلمين أنّ هذا العالم الرديء يضمر جمالا يشرخ القلب كجمال فتاك لما خطرت لك فكرة بغباء حفرة وتراب!

الآن وقد خلعتِ الخفق من قلبك المتعب، خلعتِ يديك المكدودتين عطاء، وأشحتِ عن كلّ الذين أحببتِهم وآذوك؛ الآن يلتفتون بكلّهم نحوك، يلتفّون بكِ، ينازعونكِ هواء غرفتك، ويشاطرونك خلوتك بفتاك. كما في حلم غريب، يراقبونكما تتطارحان الخلاص، بلا خجل، بلا خزيّ، بلا غضب ولا رضا، بوجوه كوجوه الموتى.

كنتِ الجميلة النائمة، وكان أميرك؛ قُبلة ... وانتهى الشقاء.